معارضون , مؤتمرات وتشتيت
انتفاضة الشباب السوري السلمية , والتي استطاعت خلال أيام قلائل أن توحد الشعب خلفها , بعد عقود من الاستبداد الذي أدى إلى خلق شروخ كبيرة داخل المجتمع السوري , بحيث وصل الأمر في بعض الأحيان إلى الاعتقاد بأن كل مدينة تحتاج إلى عقود لإعادة التطبيع بين مكوناتها , لما عانته من التخويف والترهيب ونشر ثقافة الريبة والتشكيك , بين أطياف المجتمع , فإذ بهذه الانتفاضة وفي وقت قصير جدا تستعيد كل ما فقدناه ويعود التلاحم والتضامن الوطني خلال أيام لتؤكد أن ثقافة الشعب السوري وحضارته الضاربة في عمق التاريخ لم تكن يوما ثقافة استعلاء طيف أو إقصاء آخر, وأن هذا التشتت والتفكك طارئ ويزول بزوال أسبابه.
هذا الفعل الحضاري السلمي أدى إلى خلق أزمة كبيرة ليس للنظام وحده بل للمعارضات السورية بأفرعها الداخلية والخارجية وانشقاقاتها وأمراضها المزمنة , فبعض المعارضات الخارجية التي وصلت بسبب ضعفها إلى يقين راسخ بأن التغيير غير ممكن إلا بتدخل خارجي , فأخذت غفوة على أمل العودة يوما على ظهر دبابات ؟..., نراها اليوم وقد فوجئت بهذه الهبّة الشبابية التي قلبت كل آمالهم رأسا على عقب , ودون محاولة أخذ العبر من الثورتين التونسية والمصرية , التفت قسم منهم صوب ما يجري في ليبيا فقاموا بتأسيس ما سمي بالمجلس الانتقالي السوري تقليدا لما جرى في ليبيا , آملين أن يعترف الغرب بقيادتهم للحركة الشبابية كما حصل هناك , ولما فشلوا في ذلك سارع بعضهم إلى عقد مؤتمرات لم يحن أوانها بعد , فلم يزدهم ذلك إلا انشقاقات جديدة , هنا يجب ألا ننسى أولئك المعارضين الذين حاولوا نقل صورة ما يجري في الداخل إلى الفضائيات والمنتديات العالمية خدمة لأهداف الانتفاضة دون تدخل في شئونها أو تنظير لها عن بعد .
أما أزمة السلطة فهي في إصرارها على عدم قراءة الواقع والتطور الذي حصل في المنطقة والعالم , ومازالت تصر على الحل الأمني من جهة , والعمل على تفتيت معارضة الداخل , ومحاولة خلق شرخ بينها وبين شباب الانتفاضة , من جهة أخرى , فبعد لقاءاتها مع شخصيات من كل محافظة وتلبية بعض مطالبهم , مثلا : بعد قرار إعادة الجنسية السورية للكرد الذين تم تجريدهم منها منذ نصف قرن ظلما , خرج الشباب الكرد في اليوم التالي هاتفين "بدنا حرية ما بدنا جنسية" هنا وحين رأت أن تلبية بعض المطالب لم تؤد إلى أي تأثير على احتجاجات الشارع تحولت إلى بعض أقطاب المعارضة باستدعائهم إلى لقاءات مع بعض رموز السلطة لتقديم مطالبهم , هنا أيضا حاولت السلطة العمل بأسلوب فرق تسد , فتمت لقاءات مع بعض أحزاب المعارضة العربية , ثم تلتها دعوة الأحزاب الكردية لمقابلة رئيس الجمهورية , ورغم رغبة بعضها إلا أنها تراجعت عن تلبية تلك الدعوة , تحت ضغط الشارع , واليوم يبدو أن هنالك محاولة جديدة لتفتيت المعارضة , بأسلوب يستحق أن نطلق من خلاله تسمية سويسرا الشرق على بلدنا سوريا "بعد الاعتذار من الأخوة اللبنانيين" فهاهي المعارضة "المستقلة" تجتمع في قاعةٍ , في إحدى فنادق الدرجة الأولى "للتشاور" تحت أعين السلطة ورغما عنها ! , ألا يعني هذا أننا نعيش في سويسرا , عفوا سوريا الديمقراطية , اليوم ! , أليس هذا تأكيدا على أن شباب الانتفاضة كلهم مندسون متآمرون على البلد الذي يسمح بعقد جلسات المعارضة في وسط العاصمة , لقد قدم "المتشاورون" خدمة جلّى للنظام أيا كانت درجة قسوة بيانهم تجاه السلطة فان هذه السلطة لم تهتم يوما بأمر الداخل السوري , وإنما كل ما تريده هو محاولة الإثبات للخارج بأن السوريين يعانون من ديمقراطية مزمنة والدليل : ها هي المعارضة تجتمع وتطلق اسم الاستبداد على السلطة الحاكمة دون أن تقوم هذه السلطة بقتلهم , كما يحصل في شوارع مدننا كل يوم , ألا يعني هذا منتهى الديمقراطية , وهذا كل ما تريده هذه السلطة , وكل من يقول غير ذلك , فهو ليس أكثر من متآمر أو مندس .
على فكرة كنت مدعوا إلى هذا المؤتمر , لكني رفضت تلبية الدعوة , يبدو أنني من جماعة المندسين أو المتآمرين على الديمقراطية التي نعاني منها , عفوا , أقصد ننعم بها في بلدنا سوريا !!!!! .
|