هل أسقط الإعلام نظامي تونس ومصر؟

هل كانت قناة الجزيرة عاملا حاسما في إسقاط نظامي مصر وتونس واندلاع موجات الاحتجاج في اليمن والبحرين والجزائر وسوريا وانتفاضة الشعب الليبي؟ لا ينبغي حصر الأحداث في هذا القول، فالتغييرات لا تنبع من الإعلام وإنما من الأحوال الموضوعية التي تقضتيها، وإن كان الإعلام قد لعب بلا شك دورا قويا في تحقيقها.
تصل قناة "الجزيرة" بعد خمسة عشر عاما من انطلاقها إلى 200 مليون مشاهد، وتقضي أعداد كبيرة من الأسر العربية ساعات طويلة في مشاهدتها لمتابعة تطورات الأحداث في المنطقة.
وما من شك في أن قناة الجزيرة كانت وما زالت عاملا قويا في انتشار وجهات النظر والآراء والمعلومات عن الأحداث واتهامات القمع والفساد التي اجتهدت الأنظمة الحاكمة في المنطقة في التستر عليها أو تشويهها.
لقد نجحت "الجزيرة" بالفعل في بث رسالة مختلفة عن الشبكات التلفزيونية الأخرى في المنطقة. وعرّف مدير قناة الجزيرة، وضاح خنفر، هذه الرسالة بأنها تتطابق مع القيم العالمية وقد تكون مصدر إلهام لثقافة جديدة خاصة بين الاجيال الشابة.
فوفقا لخنفر، جاء التسونامي السياسي الذي اجتاح المنطقة على مدى الأشهر القليلة الماضية علي أيدي الشباب إلي حد كبير، وهم الذين يشكلون 60 في المئة من سكان الدول العربية وكانوا مهمشين دائما وتماما.
وأظهرت الشهادات القادمة من هذه البلدان أن الغالبية العظمى من المواطنين قد تحولوا إلي قناة الجزيرة للإطلاع علي الأخبار على الرغم من الجهود المبذولة من أجل إضعاف إشارتها وبثها وعمليات التشويش والاعتداء على صحفييها وتدمير مكاتبها التي تعرضت لها.
وكمثال، روي خنفر أنه كان يتناول العشاء في الدوحة ليلة ما فتلقى مكالمة هاتفية من ميدان التحرير في القاهرة، رجته عدم التوقف عن التصوير لأن الجيش كان يتأهب للهجوم ويتنظر حتي يتوقف الصحفيون عن الإرسال.
هذا ولم تكن تغطية هذه الاحتجاجات لتكتمل أو حتي أن تكون ممكنة لو لم يرسل المتظاهرون أنفسهم صورهم ولقطاتهم للصحفيين حيثما لا يستطيعوا أداء مهمتهم، وذلك إضافة بالطبع إلي وسائل الاعلام الاجتماعية مثل فيسبوك وتوتير والمدونات وغيرها، فقد شكلت كلها مجتمعة نظاما مذهلا لجمع المعلومات في أصعب الظروف.
وتلاحم أثر مثل هذه الوسائط مع دور قناة الجزيرة الذي يزداد قوة وبسرعة، ما يبرهن بوضوح علي أنه لا يوجد أي تعارض بين وسائل الإعلام التقليدية ووسائل الإعلام الجديدة، فيما يمكن تسميته بنظام "التواصل المتكامل".
هذا الشكل الجديد من الاتصال والتواصل سرعان ما انتشر خارج نطاق الاحتجاجات وبخاصة البلدان المجاورة. وقال سلطان سعود القاسمي، وهو مدون في دولة الإمارات العربية المتحدة، أنه عندما كتب حول الأحداث الجارية في البلدان التي تعيش الاحتجاجات، قفز عدد القراء من 5،000 إلى 25،000.
وقالت الناشطة المصرية أسمي محفوظ أن وسائل الاعلام الاجتماعية لم تُكتشف في اللحظة الأخيرة أي لدي اندلاع موجة الاحتجاجات، وإنما اعتبرت بالفعل وسائل اتصال بديلة بالنظر إلى تجاهل وسائل الإعلام التقليدية اهتمامات الشعب.
وشرحت أن استخدام هذه الوسائل قد سجل قفزة قوية مكثفة بعد انتخابات سبتمبر 2005 المزورة التي ضمنت للرئيس المصري حسني مبارك إعادة انتخابه بأغلبية غير مسبوقة بنسبة 88.6 في المئة.
لقد اندلعت الاحتجاجات بقيادة الطبقات الوسطي وهي التي كان في وسعها الوصول إلى شبكة الإنترنت. واكتشف الشباب المحتجون أن فيسبوك جعلتهم أكثر ثقة وأعطتهم شعورا بالقوة.
في هذا الشأن، شدد الرئيس البرازيلي السابق لولا في منتدي قناة الجزيرة في الدوحة في منتصف مارس الماضي، علي أهمية احترام الذات، وأشار في لقاء مع المدونين العرب الى ان الثقة بالنفس كانت عاملا أساسيا في الإطاحة بالدكتاتوريين في أمريكا اللاتينية.
وذكر لولا أن الديمقراطية تعني الصبر والاحترام لآراء الجميع "لأن أي قائد أو زعيم يعتبر نفسه لا غنى عنه ويعتقد أن آرائه هي الوحيدة السليمة، إنما يجازف بالتحول الى ديكتاتور".
ومن ناحية أخري، أوضح مالك خضراوي وهو المدون التونسي، أن العديد من مواطني بلاده لم يؤمنوا بوسائل الاتصال والتواصل هذه "لكننا تعلمنا معا كيفية استخدامها بطريقة مختلفة عن الأجيال السابقة".
وقال ان المعارضة استخدمت الإنترنت في التسعينات ولكن فقط كوسيلة للحصول على معلومات وليس كوسيلة للتنظيم والمشاركة. وأشار إلي أن الأنظمة حاولت استخدام وسائل جديدة للتصدي للمتظاهرين "لكنها فشلت بسبب انعدام الثقة" وذلك خلال المرحلة النهائية من ديكتاتوريات تونس ومصر.
وهنا تجدر الإشارة إلي أن إدارة قناة الجزيرة قد كرست في الأشهر الأخيرة الكثير من التفكير والتركيز حول ما إذا كانت التغييرات في المنطقة قد تسمح ببناء مستقبل مختلف فيه تشغل فيه وسائل الثقافة الرقمية التي تعززت مؤخرا مكانا ثابتا دائما، وتساعد فيه وسائل الإتصال والتواصل الإجتماعية في تحديد دور جديد للمجتمع بل وهوية جديدة، وتحفز أيضا التغيير علي أيدي الجيل الجديد الذي هو أفضل تواصلا وتعليما وإستلهاما من القيم العالمية.
ربما كانت هيلاري كلينتون علي حق عندما قالت أننا نعيش وسط حرب الإعلام التي تخسرها الولايات المتحدة ويربحها لاعبون مثل قناة الجزيرة.
*مدير عام وكالة انتر بريس سيرفس
|