«وبالفعل ماتت كقرية
وها هي مسجاة على حدودها الصحراوية النائية
مكشرة جغرافياً وزراعياً وصناعياً وسياحياً وأدبياً
في وجه كل غاز ودخيل وطاغية!»
محمد الماغوط
*
لم يعد مستغربا هذا الذعر الذي يصطاد الكثير من المثقفين في سورية اليوم، ففي بلاد الحزب الواحد والقدر الخائف والتوريث والتصفية والمعتقلات، من الصعب أن يعبر المثقف السوري عن رأي خارج السياق أو يصطدم بسلطة ستوقع به فورا القصاص، لم أستغرب أن الأصدقاء السوريين توقفوا عن تعاطي السياسة، لأنها ستخرب أعشاشهم الصغيرة في ما لو بدر منهم اشارة للغراب الأسود الجاثم على أعمارهم منذ عقود.
لم أستغرب تفاعل الكثيرين منهم بحماس مع الثورات العربية الأخرى، وتعليقاتهم المتواصلة والمتعاطفة والمساندة لشباب الثورات، رغم أنهم التزموا الصمت التام منذ بدأت أحداث درعا!
لم أستغرب أن يسقط دريد لحام كما سقط عادل امام من قبل وكلاهما لعقود كان يقدم الفن الساخر من السلطة والمنتمي المفروض- للشعب البسيط، الغريب أن غوار الطوشة وصف القذافي بنيرون ولم يلحظ كم نيرون يعيش بينهم اليوم في سورية الشامخة.
لم أستغرب أيضا من صمت الشاعر نزيه أبو عفش، والذي انتقد في قصيدته «عام اليمام»، التى ألقاها في بيروت الرئيس السابق حسني مبارك، وعجز عن رثاء أبناء وطنه من شهداء الحرية.
لم أستغرب أيضا من تصريح أدونيس الموارب عما يحدث وهو المقيم في باريس، واصفا الثورة بأنها مجرد تمرد وهو ما يعيد للأذهان موقف جابر عصفور من الثورة المصرية! وان كانت الأصنام الثقافية تبدي مواقف مخجلة ومتناقضة عندها ستبدو مواقف أشخاص كالممثل جمال سليمان والممثلة سلاف فواخرجي وغيرهما، متوقعة في ظل تناقض الفنان مع طرحه وواقعه.
كما لم استغرب موقف رسام الكاريكاتير الشجاع علي فرزات الذي كان منسجما مع فنه ورسالته ومساندة ابناء وطنه في ظرفهم القاسي، فعندما صرح عبر موقعه الالكتروني بضرورة انشاء قائمة عار تضم كل الفنانين والأدباء والمثقفين وكل من ادار ظهره لمطالب الشعب بالحرية، وذلك ليحدد الجمهور موقفه منهم ولا ينخدع بهم، أثبت لنا انه مثقف من طراز نادر فرغم انه مقيم في سورية، لا يتردد في التعبير عن رأيه وسط نظام قمعي يعاقب على النوايا والكلمات!
المثقف السوري المحاصر دائما بهاجس مراقبته والمرتجف من مخابراته وأجهزة أمنه، الأفضل له ألا يصفق للثورات الأخرى ويكتب عنها بحماس كاذب وهو يدير ظهره لأبناء بلده المسفوحة دماؤهم، ولا يقدم نفسه بصورة المناضل وهو يخشى على نفسه من شبه كلمة محلقة حتى لو كانت في فضاء الفيس بوك. اصدقائي السوريون... أفهم خوفكم لكن لا تقنعوني بعدها أنكم مثقفون حقيقيون. فبينما تمارسون دور النعام وتنامون على ريشها هناك من يدفع الثمن غاليا ويستحق أن ننحني احتراما له.
|